سورة الشعراء - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


قال النقاش إن في مصحف ابن مسعود وأبي وحفصة {إذ قال لهم لوط} وسقط أخوهم، واختصرت الياء في الخط واللفظ من قوله {وأطيعون} مراعاة لرؤوس الآي أن تتناسب، ثم وقفهم على معصيتهم البشعة في إتيان {الذكران} وترك فروج الأزواج والمعنى ويذر ذلك العاصي في حين معصيته لا أن معناه تركوا النساء جملة، وفي قراءة ابن مسعود {ما أصلح لكم ربكم} و{عادون}، معناه ظالمون مرتكبون للحظر. فتوعدون بالإخراج من أرضه وداره فلا يتهم عند ذلك واقتصر على الإخبار بأنه قال لعملهم، والقلى بغض الشيء وتركه، ثم دعا في النجاة فنجاه الله بأن أمره بالرحلة ليلاً، وكانت امرأته كافرة تعين عليه قومه فأصابها حجر فهلكت فيمن هلك، وقوله {في الغابرين} معناه في الباقين، فإما أن يريد في الباقين من لداتها وأهل سنها وهذا تأويل أبي عبيدة، وإما أن يريد في الباقين في العذاب النازل بهم غابر وهذا تأويل قتادة، والمشهور في غبرانها بمعنى بقي، وغابر الزمان مستقبله، ولكن الأعشى قد استعمل غابر الزمان بمعنى ماضيه في شعر المنافرة المشهور، وقال الزهراوي يقال للذاهب غابر واللباقي غابر، والتدمير الإهلاك بإمطار الحجارة وبذلك جرت السنين في رجم اللوطي وباقي الآية بين.


قال النقاش في مصحف ابن مسعود وأبي وحفصة {إذ قال لهم أخوهم شعيب}، قالوا ولا وجه لمراعاة النسب وإنما هو أخوهم من حيث هو رسولهم وآدمي مثلهم، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر {أصحاب ليكة} على وزن فعلة هنا وفي ص، وقرأ الباقون {الأيكة} وهي الدوحة الملتفة من الشجر على الإطلاق، وقيل من شجر معروف له غضارة تألفه الحمام والقماري ونحوها، وقال قتادة كان شجرهم هذا دوماً، و{ليكة} اسم البلد في قراءة من قرأ ذلك قاله بعض المفسرين، ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام، وذهب قوم إلى أنها مسهلة من {الأيكة} وأنها وقعت في المصحف هنا وفي سورة ص بغير ألف، وقال أبو علي سقوط ذلك من المصحف لا يرجح النطق بها هكذا، لأن المصحف اتبع فيه تسهيل اللفظ، فكما سقطت الألف من اللفظ سقطت من الخط نحو سقوط الواو من قوله {سندع الزبانية} [العلق: 18]، لما سقطت من اللفظ، وأما ترجيح القراءة في {ليكةَ} بفتح التاء في موضع الجر فلا يقتضيه ما في المصحف وهي قراءة ضعيفة، ويدل على ضعفها أن سائر القرآن غير هذين الموضعين مجمع فيه على {الأيكة} بالهمزة والألف والخفض، وكانت مدن القوم سبعة فيما روي ولم يكن شعيب منهم، فلذلك لم يذكر هنا بأنه أخ لهم وإنما كان من بني مدين ولذلك ذكر بأخوتهم، وجاءت الألفاظ في دعاء كل واحد من هؤلاء الأنبياء واحدة بعينها إذ كان الإيمان المدعو إليه معنى واحداً بعينه، وفي قولهم عليهم السلام {ألا تتقون} عرض رقيق وتلطف كما قال تعالى: {فقل هل لك إلى أن تزكى} [النازعات: 18]. وكانت معصيتهم المضافة إلى كفرهم بخس الموازين وتنقص أموال الناس بذلك. والقسطاس المعتدل من الموازين هو بناء مبالغة من القسط، وذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن معنى قوله {وزنوا بالقسطاس} عدلوا أموركم بميزان العدل الذي جعله الله لعباده، وقرأ الجمهور {بالقُسطاس} بضم القاف من القُسطاس وقرأ عيسى وأهل الكوفة بكسرها، و{تعثوا} معناه تفسدون يقال عثا إذا أفسد، و{الجبلة} القرون، والخليقة الماضية وقال الشاعر:
[الكامل]
والموت أعظم حادث *** مما يمر على الجبلَّه
وقرأ جمهور الناس {والجِبِلة} بكسر الجيم والباء، وقرأ ابن محيصن والحسن بخلاف {والجُبُلة} بضمها، والكسف القطع واحدها كسفة كتمرة وتمر، و{يوم الظلمة} هو يوم عذابهم وصورته فيما روي أن الله امتحنهم بحر شديد، فلما كان في ذلك اليوم غشي بعض قطرهم سحاب فجاء بعضه إلى ظله فأحس فيه برداً وروحاً فتداعوا إليه، حتى تكاملوا فيه فاضطرمت عليهم تلك السحاب ناراً فأحرقتهم من عند آخرهم، وللناس في حديث {يوم الظلة} تطويلات لا تثبت، والحق أنه عذاب جعله الله ظلة عليهم، وذكر الطبري عن ابن عباس أنه قال من حدثك ما عذاب يوم الظلة فقد كذب، وباقي الآية بين.


الضمير في {إنه} للقرآن، أي إنه ليس بكهانة ولا سحر وإنما هو من عند الله تعالى، و{الروح الأمين}، جبريل عليه السلام بإجماع، ونزل باللفظ العربي والمعاني الثابتة في الصدور والمصاحف، وعلى ذلك كله يعود الضمير في {به} واللسان، عبارة عن اللغة، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص {نزَل} خفيفة الزاي {الروحُ} رفع، وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي بشد الزاي {الروحَ} نصباً ورجحها أبو حاتم بقوله تعالى: {فإنه نزله على قلبك} [البقرة: 97]. وبقوله {لتنزيل رب العالمين}. وقوله، {به} في موضع الحال كقوله تعالى: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} [المائدة: 61]، وقوله: {على قلبك} إشارة إلى حفظه إياه، وعلل النزول على قلبه بكونه {من المنذرين} لأنه لا يمكن أن ينذر به إلا بعد حفظه، وقوله: {بلسان} يمكن أن تتعلق الباء ب {نزل به} وهذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يسمع من جبريل حروفاً عربية وهو القول الصحيح، وتكون صلصلة الجرس صفة لشدة الصوت وتداخل حروفه وعجلة مورده وإغلاظه، ويمكن أن يتعلق بقوله {لتكون} وتمسك بهذا من رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع مثل صلصلة الجرس يتفهم له منه القرآن.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف مقتضاه أن بعض ألفاظ القرآن من لدن النبي عليه السلام وهذا مردود، وقوله {وإنه لفي زبر الأولين}، أي في كتبهم يريد القرآن أنه مذكور في الكتب المنزلة القديمة منبه عليه مشار إليه، وقرأ الجمهور {زبُر} بضم الباء، وقرأ الأعمش بسكونها ثم احتج عليهم بأنهم كان ينبغي أن يصحح عندهم أمره كون علماء بني إسرائيل يعلمونه كعبد الله بن سلام ونحوه قاله ابن عباس ومجاهد، وقال ابن عباس أيضاً فيما حكى عنه الثعلبي أن أهل مكة بعثوا إلى الأحبار بيثرب يسألونهم عن النبي عليه السلام فقالوا هذا زمانه ووصفوا نعته ثم خلطوا في أمر محمد عليه السلام فنزلت الآية في ذلك.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد هذا كون الآية مكية، وقال مقاتل هذه الآية مدنية، فمن قال إنها مكية ذهب إلى أن علماء بني إسرائيل ذكروا في التوراة صفة النبي الأمي فهذه الإشارة إلى ذلك وكلهم قرأ {يكن} بالياء {آيةً} نصباً غير ابن عامر فإنه قرأ {تكن} بالتاء من فوق {آيةٌ} رفعاً وهي قراءة عاصم الجحدري، وقرأ جمهور الناس {أن يعلمه} بالياء من تحت، وقرأ الجحدري {تعلمه} بالتاء من فوق، ثم سلى محمداً صلى الله عليه وسلم عن صدود قومه عن الشرع بأن أخبر أن هذا القرآن العربي لو سمعوه من أعجمي أي من حيوان غير ناطق أو من جماد، والأعجم كل ما لا يفصح، ما كانوا يؤمنون أي قد ختم الكفر عليهم فلا سبيل إلى إيمانهم، والأعجمون جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وإن كان عربي النسب يقال له أعجم، وكذلك يقال للحيونات والجمادات ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «جرح العجماء جبار»، وأسند الطبري عن عبد الله بن مطيع أنه قال حين قرأ هذه الآية وهو واقف بعرفة: جملي هذا أعجم فلو أنزل عليه ما كانوا يؤمنون، والعجمي هو الذي نسبه في العجم وإن كان أفصح الناس، وقرأ الحسن {الأعجميين}.
قال أبو حاتم أراد جمع الأعجمي المنسوب، وقال بعض النحويين الأعجمون جمع أعجم أضيف فقويت بالإضافة رتبته في الأسماء فجمع وليس بأعجمي النسبة إلى العجم، وقرأ جمهور الناس {أو لم يكن} بالياء {لهم آيةً} بالنصب، وقرأ {أو ليس لم يكن آية} ابن مسعود، والأعمش، وفي مصحف أبي {أليس} بغير واو، وقرأت فرقة {تكن} بالتاء من فوق {آيةٌ} رفعاً، وقرأ بعض من قرأ بالياء {آيةً} بالنصب وسائرهم بالرفع، وقد مضى ذكرها في السبع وذكر الطبري أن الضمير في قوله {وإنه لتنزيل} عائد على الذكر في قوله {ما يأتيهم من ذكر من ربهم} [الأنبياء: 2].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8